فلسطين

السنوار رئيساً: هل يهزم إسرائيل بـ«وفاء الأحرار 2»؟

في حياة يحيى السنوار جوانب كثيرة ربما لا يعرفها كثيرون، بدأت حتى قبل تأسيس حركة حماس واستمرت حتى الآن…

future رئيس حركة حماس يحيى السنوار

أعلنت حركة حماس الفلسطينية، عن اختيار يحيى السنوار، رئيساً للمكتب السياسي للحركة، خلفاً لإسماعيل هنية، الذي اغتالته إسرائيل في الـ31 من يوليو الماضي، في طهران، بعد مشاركته في مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

من هو يحيى السنوار؟

ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار في مخيم خان يونس بقطاع غزة، في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1962، لأسرة فلسطينية لاجئة، تعود أصولها إلى بلدة مجدل عسقلان المهجرة بقضاء غزة.

وفي مدارس خان يونس، درس الطفل الصغير المرحلة الأساسية، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، ونال درجة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة الإسلامية.

وخلال مرحلة الدراسة والشباب المبكر، انتمى السنوار إلى جماعة الإخوان المسلمين، وانخرط في نشاطاتها الدعوية والاجتماعية والتوعوية، ونشط في العمل الطلابي، فكان عضواً في مجلس الطلبة بالجامعة الإسلامية، ونائباً لرئيس المجلس، ثم رئيساً له، وفقا لما ذكره عوني فارس وعبدالله عدوي في مؤلفهما المعنون بـ«سلسلة النخبة الفلسطينية (4)».

وعلى إثر نشاطه الطلابي، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي يحيى السنوار للمرة الأولى عام 1982، وظل في السجن لمدة أربعة أشهر، لكن بعد خروجه من السجن بأسابيع قليلة اعتقل للمرة الثانية وحكم عليه بالسجن ستة أشهر.

ولدى السنوار شقيق يدعى محمد قائد عسكري أيضاً في حركة حماس، ويقول بعض المحللين الإسرائيليين، إنه ساعد في وضع خطة المقاومة التي أسفرت عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، وفقاً لـ«أرشيف نشرة فلسطين»، كما تشير صحف إسرائيلية إلى أنه ظهر بجواره في أنفاق غزة، بعد عملية «طوفان الأقصى».

مؤسِّس «مجد»

وعندما بدأ تفكير الشيخ أحمد ياسين عام 1983، في تشكيل جهاز أمن داخلي بجماعة الإخوان المسلمين، لمواجهة عملاء الاحتلال الإسرائيلي، والاختراق المخابراتي للمجتمع الغزي، ومكافحة مظاهر الفساد والانحلال وتعاطي المخدرات، بقيادة عبد الرحمن تمراز، انتدب من كل منطقة في القطاع من يمثلها أمام قيادة الجهاز، وخصص فرع للجامعة الإسلامية، تولى مسؤوليته صلاح شحادة، وعاونه في ذلك يحيى السنوار، وعمره آنذاك 21 عاماً فقط.

وبعدها بفترة قصيرة دخل الشيخ أحمد ياسين السجن، وبعد خروجه في عام 1985، أعاد مع يحيى السنوار وخالد الهندي وروحي مشتهي، فكرة العمل الأمني، وتشكيل جهاز على غرار السابق، وفي بداية عام 1986 تطورت الفكرة إلى تشكيل مجموعة تنفيذية ميدانية، عرفت بمنظمة الجهاد والدعوة «مجد»، وفقاً لما ذكره الدكتور حاتم أبوزايدة، في مؤلفه «الحركات والجماعات الإسلامية في قطاع غزة».

وكان السنوار مسؤولاً عن جنوب القطاع (المعسكرات الوسطى وخان يونس ورفح)، وفي هذه الأثناء، تطور عمل جهاز الأمن بشكل كبير، وبدأ في رصد ومتابعة العملاء، وإعداد قائمة بأخطر المتعاونين، وتحديد أماكن الفساد وتوزيع الممنوعات، إضافة إلى الأنشطة كافة التابعة للجماعة وتتطلب السرية، وتأمين اجتماعات القيادة، وكان كل ذلك قبل تأسيس حركة حماس عام 1987.

وبحسب «أرشيف نشرة فلسطين»، شن جهاز الأمن حملات ضد المشتبه في تعاونهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وجرى قتل كثير منهم، مما ترتب عليه اعتقال يحيى السنوار للمرة الثالثة.

خريج كليات السجون

وقعت الطامة الكبرى عام 1988، عندما اعتقل يحيى السنوار من المستشفى، بعد إصابته بانفجار قنبلة عن طريق الخطأ يوم الـ13 فبراير، وحكم عليه بالسجن بأربعة مؤبدات، بتهمة المسؤولية عن مقتل عدد من عملاء الاحتلال الإسرائيلي، قضى منها 23 عاماً، وتعرض في بعض الأحيان للإقامة في العزل الانفرادي، بحسب بلال شلش، في مؤلفه المعنون بـ«سيدي عمر: ذكريات الشيخ محمد أبو طير».

وداخل غياهب السجون، أصبح يحيى السنوار من قيادات الحركة الأسيرة، وترأس الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس لدورتين تنظيميتين، وأسهم في إدارة المواجهة مع إدارة مصلحة السجون لسنوات طويلة، خصوصاً أثناء فترات الإضراب عن الطعام.

وعانى السنوار من مشكلات صحية كثيرة في السجن، وأجريت له عملية جراحية خطيرة في مستشفى سوروكا الصهيوني، على إثر جلطة دماغية، استغرقت سبع ساعات، في سبتمبر عام 2015، وفقاً لـ«أرشيف نشرة فلسطين».

ويروي المؤلف سيد العفاني، في كتابه «شذا الرياحين من سيرة واستشهاد الشيخ أحمد ياسين»، أن يحيى السنوار، كان يخدم الشيخ أحمد ياسين، أثناء وجودهما معاً في سجن كفاريونا المطل على مفترق بيت ليد.

وخلال فترة السجن الطويلة، حاول السنوار الهرب مرتين، الأولى أثناء وجوده في سجن عسقلان، والأخرى وهو في سجن الرملة، لكنه لم يتمكن من تحقيق مراده، إلى أن أفرج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار عام 2011، مقابل الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط.

خرج السنوار من السجن وعمره 49 عاماً، وبعدها بأيام قليلة، اتخذ خطوة الزواج التي تأخرت كثيراً، فتزوج في الـ21 من نوفمبر عام 2011 من سيدة تدعى سمر محمد أبوزمر، وأنجب منها طفلاً وحيداً سماه «إبراهيم».

يحيى السنوار مؤلفاً

ويبدو أن يحيى السنوار استغل إقامته الطويلة داخل غياهب السجون في القراءة والكتابة والتعلم، مما نتج عنه عدة مؤلفات، أهمها رواية «الشوك والقرنقل» عام 2004، وكتاب «المجد» عام 2010، بجانب ترجمة كتاب «الشاباك بين الأشلاء» لمؤلفه كارمي غيلون، رئيس الشاباك الأسبق، وآخر بعنوان «الأحزاب الإسرائيلية»، ويبدو أن ذلك كان نتاج إتقان اللغتين الإنجليزية والعبرية، وله دراسات غير منشورة منها: «حماس: التجربة والخطأ».

بمجرد خروج السنوار، وتحديداً في عام 2012، شغل مهمتي المنسق بين المكتب السياسي لحركة حماس وقيادة كتائب القسام، ومسؤولية الجناح العسكري للكتائب، وأسند إليه ملف الأمن في المكتب السياسي للحركة، ومسؤولية ملف جنود الاحتلال الأسرى في قطاع غزة منذ عام 2015، وجرى انتخابه رئيساً لحركة حماس في قطاع غزة عام 2017، خلفاً لإسماعيل هنية، وأعيد انتخابه عام 2021 لولاية ثانية مدتها أربع سنوات.

مهندس عمليات المقاومة

سنوات السنوار التي قضاها في السجن لم تكن بالهينة، فقبلها اكتسب خبرة طويلة في العمل الميداني والأمني، وبعدها أصبح يستطيع التخطيط بدقة وذكاء، بعدما عكف طيلة هذه السنوات على دراسة الداخل الإسرائيلي، وأكسبه «العزل الانفرادي» في بعض الأوقات صمتاً اشتهر به في ما بعد، مما جعله يقود المواجهات المتكررة مع الاحتلال الإسرائيلي، وبدأ ذلك في عام 2014 بـ«العصف المأكول»، وتبعها بحرب «سيف القدس» عام 2021، وصولاً إلى الصاعقة التي نزلت على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، تحت مسمى «طوفان الأقصى».

وبناء عليه، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية، اسم يحيى السنوار على لوائح الإرهاب عام 2015، كما وضعته إسرائيل على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.

لم تتوقف جهود السنوار عند ذلك، لكنه أسهم في تصدي أذرع الحركة الأمنية والعسكرية لمحاولات الاحتلال الإسرائيلي اختراق قطاع غزة، كما في حادثة تسلل وحدة مستعربين إلى القطاع في 2018، إضافة إلى خلق نماذج جديدة في المقاومة الشعبية، كمسيرات العودة وكسر الحصار التي انطلقت أواخر مارس عام 2018، واستمرت 21 شهراً، والبالونات الحارقة، ووحدات الإرباك الليلي، بحسب المؤلفين عوني فارس وعبد الله عدوي.

وإذا كان الرجل عُرف بوجوده ميدانياً على الأرض، فإنه في الوقت نفسه شارك في على المستوى الداخلي في محاولات لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وبخاصة عام 2017، وعلى المستوى الخارجي في إعادة ترتيب العلاقة مع مصر، وتمتينها مع إيران وحزب الله.

تصدى يحيى السنوار بقوة لخطة السلام الأمريكية التي عرفت بـ«صفقة القرن» في عام 2019، وأكد في كلمة له أنها تهدف إلى دمج إسرائيل في المنطقة العربية والإسلامية، مشدداً على أن هذا الأمر لن يحدث إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة وعودة القدس.

وحينها أراد السنوار أن يعطي لمحة عن قوة حماس، فأشار إلى أنها ضربت تل أبيب خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، بـ170 صاروخاً، وتوعد قائلاً: «إذا وقعت حرب جديدة سنطلق على إسرائيل أضعاف هذا العدد»، وهو ما تحقق بالفعل في «طوفان الأقصى».

المطلوب الأول لدى إسرائيل

بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، أصبح يحيى السنوار المطلوب الأول لدى إسرائيل، خصوصاً أنها كانت من تأليفه وإخراجه، وكبدت الاحتلال خسائر بشرية وعسكرية، وهزت مكانة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، مما دفعها للاستمرار في حرب على قطاع غزة، لمدة 10 أشهر بالتمام والكمال.

في 14 نوفمبر الماضي، ورد اسم يحيى السنوار، ضمن ست من قيادات حركة حماس، فرضت الحكومة البريطانية عقوبات عليهم، تشمل تجميد أصول وحظر من السفر، وبعدها بأيام قليلة، وتحديداً في الـ30 من الشهر نفسه، أصدرت السلطات الفرنسية مرسوماً يقضي بتجميد أصول السنوار لمدة ستة أشهر.

وفي غضون ذلك، وجهت إحدى الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل، لطمة إلى نتنياهو، عندما زعمت يوخفيد ليفشيتز، البالغة من العمر 85 عاماً، في الـ29 من نوفمبر الماضي، أنها التقت يحيى السنوار وجهاً لوجه، عندما زار «الأخير» المحتجزين في أحد أنفاق غزة.

وأثار زعم الأسيرة الإسرائيلية، جنون بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال، فأعلن في السادس من ديسمبر الماضي محاصرة منزله، لكن لم يجر التوصل إليه، وحينها أكد أن القبض عليه مسألة وقت فقط، ومرت ثمانية أشهر ولا يزال الهدف مختفياً.

وخلال الشهر نفسه، أعلن الجيش الإسرائيلي عن مكافأة مالية كبيرة قدرها 400 ألف دولار، لأي شخص يقدم معلومات عن يحيى السنوار، و300 ألف دولار بالنسبة لشقيقه محمد أو يسهم في تسليمهما للقوات الإسرائيلية.

ولم يتوقف الحصار في الداخل فقط، وإنما أعلن كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الـ20 من مايو الماضي، تقديمه طلباً للمحكمة لاستصدار أمر اعتقال بحق يحيى السنوار ومحمد الضيف وإسماعيل هنية، بتهم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، عقب أحداث أكتوبر الماضي.

الطرح السابق يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن إسرائيل تعلم جيداً من هو يحيى السنوار الذي وصفه الكاتب سيد المطعني، في كتابه «أبو عبيدة: قائد سلاح الحرب الإعلامية»، بأنه «أشرس من قاد حركة حماس بالداخل، لما يملك من ذكاء حاد، وقدرة على المراوغة، وقراءة صائبة لأساليب العدو، وكأن السنين التي قضاها في سجون الاحتلال كانت فترة تدريب في الموساد أو الشاباك، فخرج من سجونهم أقوى منهم أمنياً ومعلوماتياً».

ويشير المطعني إلى أن «السنوار كان أسيراً عادياً بين أكثر من 1100 فلسطيني، حررتهم المقاومة مقابل الجندي جلعاد شاليط عام 2011.. حصلت حكومة الاحتلال على جندي بلا قيمة، وأفرجت عنهم ومن بينهم السنوار، الذي زلزل كيانهم»، الآن بات السنوار في موقع الرجل الأول المنتظر منه الموافقة على أي صفقة يُنتظر إبرامها مع إسرائيل لوقف الحرب، فهل ينجح في تكرار في السيناريو الناجح الذي حرّره ويعقد «وفاء الأحرار 2»، أم تستمر الحرب أكثر فأكثر؟

# يحيى السنوار # طوفان الأقصى # حرب غزة

هاشم صفي الدين: القائد المنتظر الذي يخشى حزب الله غيابه
«حيفا»: قنبلة موقوتة تحتضنها إسرائيل
حسن نصر الله: الرجل الذي هز عرش إسرائيل

فلسطين